صمت عميق يخيّم على الرابية. ينقل زوّارها عن العماد ميشال عون هدوءاً لم يُعرف عن الرجل الذي يعتقد كثيرون أن من أسهل الأمور استثارته. تنقل مصادر قريبة من الرابية أن لا تطور مستجداً يستدعي إعلان موقف ما، بدليل أن النائب سليمان فرنجية نفسه كرّر، بعد جلسة الحوار الأخيرة، أن العماد عون «لا يزال مرشح فريق 8 آذار».
هدوء عون، وإن كان على زغل، ينبع من أمرين أساسيين: ثقة مطلقة بموقف حزب الله الى جانبه رغم هواجس البعض، ويقين بأن شراكة المسيحيين في النظام باتت أمراً واقعاً لا يمكن الآخرين ــــ ولا بعض المسيحيين ــــ تجاوزه. الشراكة، بالنسبة الى المسيحيين، باتت أشبه ما يكون بسلاح المقاومة، لجهة كونها مسلّمة لا يمكن أحداً تجاهلها. ولعل واحدة من أبرز خلاصات ترشيح الحريري لفرنجية، والتي يُنسب فيها الفضل الى عون نفسه، هي أنه لم يعد في إمكان أحد تجاوز الرئيس القوي وذي الحيثية التمثيلية. «خط الانتاج» لرؤساء من طراز ميشال سليمان توقف!
بعيداً عن لقب «الفخامة»، تعتبر الرابية «المعركة» الحالية واحدة من جولات حربها لاستعادة الحقوق الدستورية للمسيحيين في لعبة الشراكة. عناوين هذه المعركة: «لا رئاسة من دون قانون انتخاب يلحظ الحقوق المسيحية»، و«لا رئاسة من دون رزمة متكاملة تعيد انتاج الدور المسيحي في النظام»، و«لا رئاسة مع قانون الستين» الذي سيعيد الحريري مع أكثر من 40 نائباً مسيحياً يرفعون الراية الزرقاء. وهنا مربط الفرس. فالعرض الحريري «المفخخ» جاء بعد الدخول الروسي على خطّ الأزمة السورية بما قلب مجريات الميدان، وأشّر الى التزام موسكو الواضح بالرئيس بشّار الأسد. هنا ولدت فكرة التوصل الى اتفاق رئاسي يتضمّن «الحد الأدنى» من الخسائر لإبعاد «الحد الأقصى من الخطر الاستراتيجي». وهنا، وُجد من نظّر لترشيح فرنجية: ليس انقلابياً على النظام ولا مآخذ على ولائه لـ 8 آذار. وهنا، أيضاً، جرى التغاضي عن العلاقة اللصيقة للزعيم الشمالي مع سوريا والمقاومة. فالهدف، أولاً وأخيراً، إعادة استنساخ تطبيق اتفاق الطائف كما في زمن الوصاية. لن يتحمّل الحريري، في أي قانون انتخابي يعتمد النسبية، أن يقاسمه أحد «تركة» تياره، كما لن يتحمّل النائب وليد جنبلاط أن يتحوّل أقلية في جبل لبنان بعدما كانت قوانين الانتخابات تُفصّل على مقاسه. إذاً، «قانون الستين» هو بيت القصيد، وهو ما كان زعيم المستقبل واضحاً جداً في شأنه أثناء لقائه مع زعيم المردة. وإلى هذا «العصفور»، هناك «عصافير» أخرى على شجرة 8 آذار: تفجير خلاف داخلي بين مكوّنات هذا الفريق، ودقّ إسفين بين حزب الله ـــ الذي لا يمكن إلا أن يرى في ترشيح فرنجية نصراً له ــــ وحليفيه المسيحييَن.
استوعب هذا الفريق الهجمة: سارع الحزب الذي يعتبر فرنجية «شريكاً رئيسياً وأساسياً في 8 آذار» لطمأنة الرابية الى ثبات موقفه الداعم لجنرالها مرشحاً أوحد للرئاسة. فرنجية نفسه ساهم في هذا الاستيعاب عندما كرّر بأن عون هو المرشح الأول لـ 8 آذار.
أما عون فلم «يُستثر» كعادته، ولم «يُنرفز» من على منبر الرابية كما كان متوقعاً رغم محاولات البعض التشكيك. وربما هذا بالضبط ما دفع بالفريق الآخر الى التلويح بالترشيح العلني عله يستجرّ رد فعل عونياً يفجّر الخلاف. استنهضت الرابية أهل «إعلان النوايا»، شدّت العصب ورفعت شعار «حقوق الشراكة المسيحية». تهيّب حزب الكتائب الموقف بعدما استمرأ «اللعبة» بداية. قيل إن جنبلاط أقنع سامي الجميل بأوان «فرصته التاريخية»: يعيد مع فرنجية لعب الدور الذي لعبه جدّه المؤسس مع الرئيس فؤاد شهاب. يتلهّى فرنجية بجعجع، ويرث هو عون في جبل لبنان، وينتظر الحصاد الرئاسي بعد ست سنوات. التردد اليوم هو سمة موقف الكتائب من دون أن يعني ذلك ــــ بعد ــــ أنه مستعد للمشاركة في مسؤولية عرقلة التسوية الحريرية.
بعد أسبوع على عاصفة لقاء باريس يوحي زوّار الرابية بأن أحداً غير «مضغوط» بالوقت، وأن الأمور، على غير ما يبدو، ليست «على النار»، وأنه لا يكفي أن يقول سعد الحريري للرئاسة «كوني فتكون».